شوقي للطنطـان

مدير الموقع25 أبريل 2022آخر تحديث : منذ 3 سنوات
مدير الموقع
أقلام حرة
شوقي للطنطـان

شطاري نيوز : طانطــان
الأستـاذة القديـرة والكاتبـة  زينبـة بن حمـو

نحن نحب مدننا الصغيرة المقصية المهمشة، نحبها رغم أنف التنمية المغيبة، رغم بعدها عن حضارة القرن الجديد، نحبها رغم تخلفها عن الركب بفعل فاعل لا يفعل.

نحبها، ولوددنا أن نظل بها، لكنها تشبه مرحلة الابتدائي، لابد أن تغاردها مهما كررت الأقسام، تشبه فراش الصغير، يضيق ويقصر فجأة، فيجبر على هجره. هي مثل مهدِ مريح، وثير، دافىء. لكنه يصير فجأة صغير جدا على أن يسعنا. فنهجره قصرا، وكم نتمنى أن نظل بها نرتشف الحب من ثدي أمهاتنا، ونشتم رائحة الجنة من ريحهن.

لكنا نكبر ونعظم ويتسع أفقنا فتصير، مدننا، أضيق من أن تسعنا. نصير فجأة أكبر من أن تستوعبنا، ونصبح أطول وأعرض من أن نمد أرجلنا في ذاك المهد/المدن.

نحن أبناء، مناطق بالكاد تعتبر حواضر، لا نحب حياة المدن الكبيرة الباردة، الكئيبة التي تسبب التوتر، حيث النفاق سيد الموقف، وحيث الحب في أزمة، يعاني من الاختناق، ويكافح لكي يعيش. حيث الحذر فرض عين وواجب على كل مواطن حتى يعود لشقته سالما.

لا نحبها، لكنا صرنا نحب ما توفره لنا من فرص للتحليق عاليا، وما توفره من إمكانيات للارتقاء، نحب ما تعرفه من حركية ثقافية، تكاد تنعدم هنا، نحب المسارح، ودور السينما، نحب المقاهي المختلطة المفتوحة، نحب المساحات الخضراء، نحب وسائل النقل العمومي وما تزخر به من تجارب يومية، وما تعكسه من تعدد وتنوع وغنى..

نحن الذين نحب البساطة ونقتعد الأرض مرتاحين، نعيش مشتتين بين الحنين إلى حياة جميلة، نظيفة. إلى أصدقاء حقيقين نقاسمهم الأسرار والأخبار، إلى جيران كأنهم أسرة ثانية. نحِنٌُ إلى تجمعات العائلة، إلى أمسياتنا الطويلة، إلى منازلنا العامرة…
مشتتين بين الحنين لكل ذلك، وبين حياتنا النشيطة تقافيا، أكاديميا، ووظيفيا.. البئيسة اجتماعيا، الباردة عاطفيا بتلك المدن البعيدة.

في كل مرة يحملني الشوق إلى الطنطان، وأدخلها بلهفة عاشق ساع إلى لقاء المعشوق…

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    تنبيه