الظهور المزدوج للجماني سيدي المختار والجماني سيدي صلوح في قبة البرلمان: عودة سياسية أم إعادة تموضع انتخابي

طاقم الجريدة14 أكتوبر 2025
طاقم الجريدة
أقلام حرة
الظهور المزدوج للجماني سيدي المختار والجماني سيدي صلوح في قبة البرلمان: عودة سياسية أم إعادة تموضع انتخابي

شطاري نيوز

شهدت قبة مجلس المستشارين خلال الأيام الأخيرة حدثًا سياسيًا لافتًا تمثل في الحضور المتزامن لاثنين من أبرز الأسماء المنحدرة من الاقاليم الجنوبية، وهما سيدي ختار الجماني وسيدي صلوح الجماني، بعد غياب طويل عن الأنظار طيلة سنوات من الولاية الانتدابية الحالية، هذا الظهور المفاجئ فتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول خلفياته وتوقيته ودلالاته، خاصة في ظل الحركية السياسية والإعلامية التي تشهدها الساحة السياسية في الأشهر الأخيرة.

 

منذ بداية الولاية الحالية، لوحظ غياب شبه تام لكل من سيدي ختار الجماني وسيدي صلوح الجماني ومحمد سالم الجماني عن الواجهة البرلمانية، باستثناء بعض المناسبات الرسمية المحدودة، التي حضرها محمد سالم الجماني في السنتين الاخيرتين، غير أن الأشهر الأخيرة حملت تحوّلًا ملحوظًا في الصورة، حيث بدأ سيدي صلوح الجماني يظهر بشكل متكرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقدّمًا نفسه بصورة متجددة أمام الرأي العام، ومتفاعلًا مع قضايا الشأن المحلي، أما سيدي ختار الجماني، فقد برز مؤخرًا داخل قبة مجلس المستشارين في ظهور اعتبره كثيرون رسالة سياسية في حد ذاته، لما يحمله من رمزية بعد طول غياب.

 

التحليل السياسي لهذا المستجد لا يمكن فصله عن سياق عام يتسم بإعادة ترتيب المشهد الجهوي، واستباق مرحلة جديدة من التوازنات داخل مؤسسات التمثيل الترابي، فالساحة المحلية تعرف دينامية متزايدة في الآونة الأخيرة، سواء على مستوى الأحزاب أو المجالس المنتخبة، ما يدفع العديد من الوجوه التقليدية إلى استرجاع حضورها استعدادًا لأي تحول أو استحقاق محتمل، في هذا السياق، يمكن فهم عودة الجماني كنوع من إعادة التموضع السياسي، خاصة وأن اسم عائلة الجماني يرتبط بفترة مؤثرة في تاريخ التسيير الترابي للداخلة والسمارة وبشبكة علاقات مؤسساتية ممتدة.

 

العامل الإعلامي بدوره لا يمكن تجاهله، فعودة سيدي صلوح إلى الواجهة تزامنت مع انخراط واضح في التواصل الرقمي، عبر نشر صور وفيديوهات لأنشطته داخل الحزب في عدة مناطق وطنيا وجهويا ومحليا، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لقوة المنصات الاجتماعية في تشكيل الرأي العام المحلي، في المقابل، اتخذ حضور سيدي ختار طابعًا أكثر هدوءًا، لكنه جاء من داخل المؤسسة التشريعية، وهو ما يمنحه بعدًا مؤسساتيًا ورسالة مختلفة مفادها أن الظهور يتم من موقع المسؤولية الرسمية وليس فقط من بوابة الإعلام، أما عن الجماني محمد سالم المنافس الشرس سياسيا لعائلة اهل الرشيد، فقد ظل بعيدا كل البعد عن عدسات الكاميرات.

 

أما عن العودة المزدوجة التي جمعت صلوح وختار الجماني، فهي تحمل في طياتها رسائل متعددة المستويات، فمن جهة إشارة داخلية إلى أن النخب الجنوبية ما زالت فاعلة داخل الفضاء الحزبي والبرلماني، ومن جهة أخرى رسالة موجهة إلى الرأي العام المحلي تؤكد أن مرحلة الغياب قد انتهت وأن التواصل مع الساكنة أصبح أولوية، كما يمكن اعتبارها أيضًا مقدمة لإعادة بناء الثقة مع القواعد الانتخابية، خصوصًا في مرحلة تعرف فيها جهة العيون وجهة الداخلة تنافسًا متزايدًا بين النخب القديمة والوجوه الصاعدة.

 

ولا يمكن إغفال أن الجهتين تشهدان تحولات اقتصادية كبرى تجعلها محط أنظار سياسيين واقتصاديين على حد سواء، وفي مقدمتها المشاريع العملاقة، هذا الزخم التنموي يخلق بطبيعة الحال تنافسًا على التموقع داخل المشهد الجديد، ما يجعل أي عودة سياسية من هذا النوع قابلة للقراءة في أكثر من اتجاه، إما دفاعًا عن الحضور الرمزي، أو حفاظًا على نفوذ انتخابي، أو استعدادًا لاستحقاقات قريبة.

 

ويبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت هذه العودة ستتحول إلى حضور فعلي ومستدام داخل المؤسسات، أم أنها مجرد تحرك ظرفي محكوم بإيقاع اللحظة، فالمشهد السياسي اليوم لم يعد يرحم الغياب الطويل، والرأي العام أصبح أكثر مطالبة بالنتائج الملموسة لا بالصور والبيانات، فاستمرار هذا الحضور، مؤسساتيًا وإعلاميًا، وحده كفيل بإقناع الشارع بأن عائلة اهل الجماني عادت بالفعل إلى ممارسة الفعل السياسي، لا مجرد التذكير بالمكانة السابقة.

 

في النهاية، يمكن القول إن السياسة، كما الإعلام، لا تعترف بالفراغ، فحين يغيب الفاعلون عن الساحة، تملؤها وجوه جديدة بسرعة، وعودة الجماني في هذا التوقيت ليست مجرد صدفة، بل هي انعكاس لوعي متجدد بأهمية الحضور والتوقيت في زمن تتسارع فيه التحولات، ما إذا كانت هذه العودة ستشكل بداية مرحلة جديدة من التأثير أم مجرد لحظة رمزية عابرة، فهو ما ستكشفه الأيام القادمة في ميزان الفعل لا الخطاب.

 

فعائلة اهل الجماني  تُعدّ من أبرز الأسماء التي ارتبطت بالمشهد السياسي في الأقاليم الجنوبية منذ سنوات، غير أن حضورها ظلّ موسميًا، يبرز في فترات الحملات الانتخابية ثم يخبو مع انتهاء الاستحقاقات، هذا النمط من الممارسة السياسية، القائم على الظهور الظرفي وغياب التواصل المستمر مع المواطنين، يجعل العائلة تقع في فخ العزلة عن هموم الساكنة ويُضعف من رصيدها الشعبي مع مرور الوقت.

فالممارسة السياسية الحقيقية لا تُقاس بعدد المقاعد ولا بحجم الحضور الإعلامي، بل بمدى الالتزام الدائم بخدمة الشأن العام ومواكبة قضايا الناس على امتداد فترات الانتداب.

كما أن العمل السياسي في  الصحراء لا يرتبط بالأحزاب بقدر ما يرتبط بالأشخاص والعائلات ذات الامتداد القبلي والاجتماعي، وهو ما يفسر تحركات بعض رموز العائلة، فمحمد سالم الجماني، الذي سبق أن انتمى إلى حزب الأصالة والمعاصرة، وغادره لم يلتحق بعد بأي حزب، رغم أن المؤشرات ترجّح إمكانية توجهه نحو حزب الحركة الشعبية، أما محمد الجماني عن مدينة السمارة، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، فيُتوقّع أن يعود بقوة في الاستحقاقات المقبلة، بعدما أدرك أهمية العمل الميداني عقب فقدانه رئاسة جماعة السمارة في الانتخابات السابقة.

 

ومع ذلك، يُؤخذ على عائلة الجماني أنها لا تُولي اهتمامًا فعليًا بالعمل السياسي المنظم، ولا تسعى إلى تكوين نخب شابة قادرة على دعم مسارها واستمراريتها السياسية، كما أنها لا تتواصل بشكل مباشر مع القاعدة الشعبية، إذ ما تزال تعتمد في الانتخابات على الولاءات العائلية والقبلية أكثر من اعتمادها على البرامج أو المشاريع السياسية، وهو ما قد يحدّ من حضورها وتأثيرها في المستقبل السياسي للمنطقة.


Warning: Division by zero in /home/chtarinews/public_html/wp-includes/comment-template.php on line 1532

Comments

Sorry Comments are closed

Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
    تنبيه
    error: Content is protected !!