لقاء العيون التشاوري، خطوة إيجابية لكن الحاجة ماسة لإشراك الساكنة الأصلية في صناعة التنمية وتنزيل الحكم الذاتي

هيئة التحرير هيئة التحرير
أخبار
لقاء العيون التشاوري، خطوة إيجابية لكن الحاجة ماسة لإشراك الساكنة الأصلية في صناعة التنمية وتنزيل الحكم الذاتي

شطاري نيوز 

احتضن مقر ولاية جهة العيون الساقية الحمراء لقاء تشاورياً جمع السلطات المحلية والمنتخبين وشيوخ القبائل وفاعلين من المجتمع المدني وممثلي القطاعات العمومية، في إطار إطلاق المشاورات المتعلقة بإعداد مخطط التنمية الترابية المندمجة، ومثل تنوع الحضور مؤشراً إيجابياً على الرغبة في اعتماد منهجية تشاركية جديدة، انسجاماً مع التوجيهات الملكية الداعية إلى وضع المواطن في قلب التنمية وتحسين جودة حياته على مختلف الأصعدة.

 

ورغم أهمية هذا اللقاء الذي ترأسه والي الجهة عبد السلام بكرات، وما حمله من إشارات إيجابية نحو جيل جديد من التخطيط التنموي، يشير عدد من المراقبين إلى أن هذه الدينامية ما تزال تواجه تحديات بنيوية متجذرة في آليات الاشتغال التقليدية، فالتشاور، وإن بدا واسعاً من حيث الشكل، يظل محدود التأثير من حيث المضمون، لكونه يفتقر إلى مشاركة فعلية ومنتظمة للساكنة الأصلية التي تمثل العمق الاجتماعي والإنساني للأقاليم الجنوبية، والركيزة الأساسية لأي مشروع تنموي مندمج أو نموذج للحكم الذاتي.

 

إحدى أبرز الملاحظات على هذا اللقاء تكمن في غياب آليات واضحة تضمن إشراك ممثلي الساكنة الأصلية بصفة دائمة ومؤسساتية، فالحضور، الذي يقتصر على المنتخبين وبعض الفعاليات، لا يوفر صوتاً حقيقياً للمجموعات القبلية التقليدية، ولا للشباب والنساء والفاعلين غير المنتمين للهيئات الرسمية، الذين يُفترض أن يكونوا في صميم السياسات التنموية وفي مقدمة خطوات تنزيل النموذج المغربي للحكم الذاتي، ومن ثم يظل التشاور الحالي أقرب إلى شكلية موسمية منه إلى شراكة حقيقية وفعالة.

 

كما يعاب على المقاربة المعتمدة غلبة البعد التقني في التخطيط، حيث يقتصر النقاش على مؤشرات اقتصادية واجتماعية عامة، دون تقييم دقيق للتجارب السابقة أو استماع مباشر للمعنيين بنتائجها، ورغم تقديم عروض مفصلة حول التشخيص الترابي ومنهجية الاشتغال، إلا أن غياب مشاركة الساكنة في طور إعداد التشخيص يجعل الخطط عرضة لتكرار الاختلالات، خصوصاً في ظل مطالب ملحة تتعلق بتأهيل المراكز الناشئة، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، وخلق فرص شغل حقيقية، وتثمين الموارد الطبيعية بطرق عادلة.

 

فقدت الساكنة الأصلية جزءاً من ثقتها في ممثليها التقليديين، خصوصاً بعد وفاة غالبية شيوخ تحديد الهوية، واستبدالهم بأبنائهم الذين قد لا يحظون بنفس الشرعية الاجتماعية أو الخبرة، ويرى بعض السكان أن مصالح هذه القيادات الجديدة تُوظف أحياناً لأغراض شخصية أو لتعزيز النفوذ العائلي بدلاً من خدمة المجتمع، مما يجعل الحاجة ملحة لتطوير بدائل تضمن إشراك السكان بشكل مباشر وشفاف، وتشمل هذه البدائل تشكيل مجالس محلية منتخبة للساكنة الأصلية على مستوى الأحياء والمراكز، وإدماج منظمات المجتمع المدني المحلية كممثلين مستقلين عن الهيئات التقليدية، وعقد جلسات استماع دورية مباشرة مع السكان، وتفعيل آليات التصويت المجتمعي أو الاستفتاءات المحلية لاختيار المشاريع الكبرى، وتكوين لجان مختلطة تضم شباباً ونساءً وشيوخاً وممثلين عن المجتمع المدني لإدارة ومراقبة المشاريع بطريقة مشتركة تعكس مصالح المجتمع ككل.

 

وتزداد الحاجة الملحة لإشراك الساكنة الأصلية مع اقتران التنمية الترابية بتنزيل الحكم الذاتي، الذي يقوم أساساً على منح السكان دوراً فعلياً في تدبير شؤونهم المحلية، ويؤكد العديد من الفاعلين أن إشراك ممثلي القبائل والأعيان والفاعلين الاجتماعيين ليس فقط واجباً سياسياً، بل ضرورة تنموية لضمان نجاعة المشاريع وربطها بالهوية المحلية وخصوصيات المجال الصحراوي، وعقد اجتماعات موضوعاتية تتيح مشاركة هذه المكونات سيُسهم في بناء الثقة بين المؤسسات والسكان، ويضفي على الخطط التنموية شرعية اجتماعية ضرورية لإنجاحها.

 

ورغم هذه الانتقادات، يبقى اللقاء التشاوري خطوة مهمة نحو وضع أسس جديدة لورش التنمية بالعيون، خاصة مع إعلان السلطات الجهوية عن إطلاق ورشات موضوعاتية موسعة ستجمع مؤسسات عمومية وفاعلين محليين لصياغة مشاريع عملية قابلة لترجمة التوجيهات الوطنية، غير أن نجاح هذه الورشات سيظل مرهوناً بمدى قدرة القائمين عليها على توسيع دائرة المشاركة، والانتقال من التشاور إلى الشراكة الفعلية، ومن الخطاب إلى الممارسة الميدانية التي تجعل المواطن شريكاً حقيقياً في تحديد أولوياته وصياغة مستقبله.

 

وفي انتظار هذا التحول، تبقى انتظارات الساكنة الأصلية كبيرة، ليس فقط على مستوى تحسين الخدمات والبنيات التحتية، بل في استعادة مكانتها في صناعة القرار الترابي، باعتبارها حجر الزاوية لأي نموذج تنموي ناجح وفي صميم الرؤية الملكية للحكم الذاتي، والرهان اليوم لا يكمن في إطلاق المشاورات فحسب، بل في استثمارها بذكاء لتأسيس تنمية منصفة ومستدامة ومنسجمة مع خصوصيات المنطقة وتطلعات أهلها.


Warning: Division by zero in /home/chtarinews/public_html/wp-includes/comment-template.php on line 1532

Comments

Sorry Comments are closed

Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
    تنبيه
    error: Content is protected !!