رحيل سين غينشيتسو… من حلم الطيار الانتحاري إلى أيقونة طقوس الشاي اليابانية

طاقم الجريدة15 أغسطس 2025
طاقم الجريدة
أخبار
رحيل سين غينشيتسو… من حلم الطيار الانتحاري إلى أيقونة طقوس الشاي اليابانية

شطاري نيوز 

توفي، يوم الخميس، عن عمر ناهز 102 عامًا، سين غينشيتسو، أحد أعظم منظّمي طقوس الشاي (تشانويو) في اليابان، والرجل الذي كرّس حياته للحفاظ على هذا التراث العريق ونقله إلى العالم، وفق ما نقلته وسائل الإعلام اليابانية. رحيل غينشيتسو لا يمثل خسارة شخصية لعائلته وتلاميذه فحسب، بل أيضًا فقدانًا لرمز ثقافي ارتبط اسمه بفلسفة الشاي الياباني التي تجمع بين الجمال، والتأمل، والاحترام المتبادل.

 

من الكاميكاز إلى سيد الماتشا

 

وُلد سين غينشيتسو في فترة عصيبة من تاريخ اليابان، حيث كانت البلاد غارقة في أتون الحرب العالمية الثانية. مثل كثير من أبناء جيله، انخرط في خطط الجيش الإمبراطوري وكان يطمح إلى أن يصبح طيارًا انتحاريًا (كاميكاز)، في وقت كانت فيه الروح القتالية والتضحية بالنفس تعتبر ذروة الولاء للوطن. لكن الحرب وضعت أوزارها قبل أن يشارك في أي مهمة، ما منحه فرصة ثانية للحياة، ومسارًا مغايرًا تمامًا.

 

بدلًا من أن يسلك طريق الحرب، وجد غينشيتسو نفسه ينجذب نحو عالم الشاي، حيث الهدوء يحل محل ضجيج المعارك، وحيث الانسجام يغلب على الصراع. التحق بمدارس متخصصة في طقوس الشاي، وتدرج حتى أصبح من أبرز الأسماء في هذا الفن، جامعًا بين الانضباط العسكري السابق والدقة الجمالية التي تتطلبها هذه المراسم.

 

سيد الضيافة الملكية

 

على مدى عقود، كان غينشيتسو ضيفًا ومضيفًا في آن واحد لملوك ورؤساء من مختلف أنحاء العالم. أعدَّ أكواب الماتشا الفاخرة في احتفالات رسمية وحفلات دبلوماسية، جاعلًا من الشاي أداة للتواصل الثقافي والسياسي. بالنسبة له، لم يكن تقديم الشاي مجرد خدمة، بل رسالة سلام تعكس جوهر الفلسفة اليابانية في البحث عن الانسجام بين البشر.

 

فلسفة الشاي… أكثر من مشروب

 

طقوس الشاي اليابانية، أو تشانويو، ليست مجرد طريقة لتحضير مشروب ساخن، بل هي ممارسة فلسفية وفنية في آن واحد، تقوم على أربع ركائز أساسية: الانسجام (وا)، الاحترام (كي), النقاء (سي), والسكينة (جاكو). وقد جسّد غينشيتسو هذه القيم طوال مسيرته، مؤكدًا أن لحظة احتساء الشاي يمكن أن تكون فعلًا من أفعال السلام الداخلي والمصالحة مع الذات.

 

كان يؤمن بأن كل تفصيل — من اختيار أواني الشاي، إلى ترتيب الزهور، وحتى طريقة صب الماء — له معنى، وأن الانتباه إلى هذه التفاصيل هو ما يحوّل الشاي إلى تجربة روحية وفنية لا تُنسى.

 

إرث ممتد عبر الأجيال

 

مع تقدمه في العمر، خصص غينشيتسو سنواته الأخيرة لتعليم الأجيال الجديدة، محذرًا من أن طقوس الشاي مهددة بفقدان جوهرها إذا تحولت إلى مجرد أداء شكلي للسياح أو الفعاليات التجارية. وبفضل جهوده، واصل مئات التلاميذ في اليابان وخارجها حمل هذا التقليد، ملتزمين بروحه الأصيلة.

 

وداع هادئ لرجل هادئ

 

برحيله، تخسر اليابان أيقونة ثقافية قلّ نظيرها، وشاهدًا على التحول العميق الذي يمكن أن يعيشه الإنسان حين ينتقل من أجواء الحرب إلى ثقافة السلام. سين غينشيتسو لم يكن مجرد صانع للشاي، بل كان صانعًا للحظات صادقة من التواصل الإنساني، مستخدمًا كوبًا صغيرًا من الماتشا ليبني جسورًا بين القلوب والشعوب.


Warning: Division by zero in /home/chtarinews/public_html/wp-includes/comment-template.php on line 1532

Comments

Sorry Comments are closed

Type a small note about the comments posted on your site (you can hide this note from comments settings)
    تنبيه
    error: Content is protected !!