شطاري نيوز
بقلم سيد الزين محمد – طالب باحث
يعيش المجتمع الصحراوي اليوم، عدد من الظواهر الاجتماعية، بمختلف أنواعها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، ففي الآونة الأخيرة شهد المجتمع الصحراوي نهضة عمرانية واضحة المعالم، خاصة في العقدين الأخيرين، بالموازات مع طفرة نوعية في مجال التكنولوجيا، ووسائل الاتصال، على غرار باقي المجتمعات الأخرى، حيث أقبل الافراد على استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بشتى أنواعها، ونخص بالذكر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أحدثت هذه الأخيرة تغييرات كبيرة، أصبحنا نلمس تأثيرها البالغ على كافة مناحي حياة الفرد والمجتمع الصحراوي ككل، فلم يعد من المبالغة القول بأن المجتمع الصحراوي اليوم، يعيش عولمة على مستوى أنماط الإتصال، وأصبح الكل يمتلك هاتف نقال، بل الأكثر من هذا فالتنافس أصبح حول آخر موضات الهواتف النقالة، ولا نستثني من هذا الصغير أو الكبير، حتى بعض الشيوخ والعجائز اصبح ينطبق عليهم الامر نفسه، وبذلك انتفى شرط الخصوصية الثقافية، المشكلة لقيم وأشكال التواصل للمجتمع الصحراوي، لتظهر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحد من الأشكال التواصلية بين افراد العائلة الصغيرة والكبيرة في المجتمع الصحراوي، فعلى سبيل المثال نجد غياب التواصل بين افراد الجماعة في جلسة الشاي لأن كل فرد منهمك مع هاتفه النقال، فالجسم مع الجماعة، والعقل يحلق بعيدا في عالم أخر، مما خلق فجوة أصبحت تتسع مع هيمنة الإنترنت و سيادة متغيرات الثورة الرقمية الراهنة، أدى الى التقلل من عملية الاتصال المباشر بين أفراد المجتمع، ويمنع البعض من اكتساب مهارات التواصل المباشر، الذي اصبح يغلفه نوع من برود المشاعر في العملية التواصلية بين الأفراد، حيث يقتصرالاتصال على استخدام رموز وصور للتعبير، تساهم تبلد المشاعر وتزيد من فرص التفكك داخل المجتمع، بالاضافة الى انتشار الخمول والكسل بين أفراده، حيث تم استبدال الزيارات العائلية والمقابلات والنزهات بالحديث عبر الشاشات لفترات طويلة، الشيئ الذي أدى الى إنتاج أسرتجمعها الجدران ويهيم أفرادها كل في عالمه الخاص، بإنشغاله بهاتفه المحمول، يتحدث مع الغرباء ويندمج في عوالمه الافتراضية، منعزلا عن أسرته فاتر العلاقة معها، إضافة على انتشار الشائعات عبر هذه الوسائل، حيث أصبح جزء كبير من الأخبار المنشورة عبر هذه المنصات كاذبة وغير حقيقية، كما أنها تأثر بشكل كبير على الخصوصية، حيث تسبب التواصل عبر هذه المواقع في تدخل البعض في حياة الآخرين والبحث عن عيوبهم واقتحام حياتهم الخاصة والتطفل عليها، الى جانب تنامي ظاهرة التنمر على الآخرين، الشي الذي سبب في إصابة الكثيرين بالمشكلات النفسية التي قد تصل للاكتئاب وفي مراحل متقدمة الى الانتحار، وهذا من بين الأمور التي اصبحنا نشهدها مؤخرا في المجتمع الصحراوية.
ففي سنوات قليلة مضت كان التواصل الرقمي يشكل شرطا ثقافيا وجوديا يمثل سمة بارزة للنسق الحضاري الحديث لكل مجتمع، يُسْتَمد من البيئة المحيطة به، وطبيعة الموروث الإنساني والتاريخي والخصائص الجغرافية والاجتماعية وغيرها، وفي خضم كل هذا، كان المجتمع الصحراوي يعرف تحولا سوسيوحضري هام، تمثل بشكل واضح في الانتقال من نمط الترحال والبداوة إلى نمط االاستقرار والتحضر، والعيش في المدينة، مما احداث تغيرات هامة في الأنساق والعلاقات الاجتماعية للمجتمع الصحراوي البدوي بطبعه.
فليس من المبالغة القول بأن المجتمع الصحراوي، يحمل في جيناته هوسا للتطور والاندماج مع الاخر، والانفتاح على باقي الثقافات، مما أكسبه قابلية للغوص في العالم الرقمي مثله في ذلك مثل، باقي المجتمعات البشرية التي اندمجت مع التطور المتسارع لتكنولوجيا الإتصال، حيث ااضحت عملية التواصل الاجتماعي بفعل التكنولوجيا الحديثة عموما، وتكنولوجينا المعلومات بصفة خاصة، من وسائل الاتصال الرئيسية التي غيرت من مسار الاتصالات فأصبح من السهل الحصول على المعلومة بشكل منظم وسريع، من خلال الحواسب والهواتف الشخصية على مدار الساعة، الا انه بعد بروز مواقع التواصل الاجتماعي ( الفيسبوك، التويتر،
واتساب، انستجرام، سناب شات، تيك توك… ) على الساحة الصحراوية، والتي أصبحت في مقدمة إنجازات ثورة المعلومات دون منافس، كان لها أثر كبير في تفشي العديد من الظواهر الاجتماعية السلبية، التي تعتبر دخيلة عليه، حيث لم يكن يعرفها ولا هي من رحم ثقافته، ولا بنيته الفكرية أو المرجعية التي يتبناها، فمما لا خلاف فيه منذ عقود من الزمن، ان المجال الجغرافي الذي يشكل مجتمع البيظان ، يتميز كسائر المجتمعات في المعمورة بعادات وقيم فضلى تشكل منظومته القيمية والأخلاقية المتعارف عليها بين جل شرائح المجتمع، قوامها التقدير والاحترام المتبادل للصغير والكبير، وتوفيرالأمن والأستقرار والتعايش بين جميع مكونات المجتمع الصحراوي، حتى أصبح هذا المجال قدوة في النهضة المعرفية والثقافية والتربوية، حيث شكلت التربية الأسرية لدى المجتمع الصحراوي، ركيزة أساسية في تنشئة الفرد داخل المجتمع، وهو يجعل منها أسر محافظة، ملمة بتحديات وتغييرات الزمن، ولعل من أسبابها المباشرة ظاهرة التمدن وما واكبها من صحوة رقمية وتكنولوجيا أدت الى انسلاخ الفرد داخل محيطه البيئي من عدة قيم كانت الى زمن قريب دستور هذا المجتمع، مما إنعكس على الحياة العامة في المجتمع الصحراوي بكل تفاصيلها، فأصحبت اليوم تلك القيم والعادات، عند البعض من صميم التخلف، ولابد من تركها والتماشي مع المتغيرات التي تعرفها المجتمعات ككل، وخاصة المجتمع الغربي، فما آلت إليه الأخلاق والقيم النبيلة من إنحلال اليوم في المجتمع الصحراوي سببه المحيط البيئي التربوي، وغياب دور مؤسسة الاسرة في إهمال الوازع الديني الذي هو عماد التنشئة الاجتماعية السليمة الخالية من كل مانشاهده اليوم، في شباب سناب شات وتيك توك، مما أدى الى غياب الوعي بالمسؤولية المشتركة لكل واحد منا إتجاه مجتمعه.
فعلى الرغم من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها وتأثيرها الواسع في المجتمع الصحراوي، وبالنظر لوجود حاجة ماسة بين الناس للتواصل سواءً على المستوى الشخصي أو مستوى العمل، فهي تقرب المسافات البعيدة، وتمثل مايطلق عليه اليوم بالإعلام الاجتماعي الجديد، کما أنها من أکثر وأهم المواقع التي يستخدمها الإنسان في الآونة الأخيرة، إلا أنها اظهرت العديد من المشکلات الأخلاقية في استخدامها، كتداول الصور ومقاطع الفيديو ونشرهم، وبعض التصرفات التي تخدش الحياء وذلك من خلال التعامل مع الآخرين عبر هذه الوسائل، مما يستلزم التدخل للحد من تلکم الأخلاقيات، من خلال تفعيل دور مؤسسة الاسرة في الرقابة والتتبع إما بشكل مباشرعبر مراقبة الأبناء وهواتفهم، أو من خلال مواكبة التكنولوجيا نفسها عبر استخدام بعض التطبيقات المحدثة لهذا الغرض، علما أننا أصبحنا نجد معظم الإبناء يتوفرعلى هاتف نقال، خصوصا بعد ظاهرة كورونا، نظرا لما تطلبه الأمر في إطار الدراسة عن بعد، مما أتاح الفرصة لهذه الفئة لاستعمال الهاتف النقال وغيره من الوسائل، فقد اصبحنا نشاهد اليوم انتشار بعض الظواهر الاجتماعية بين صفوف الشباب الصحراوي غير مقبولة تماما، لا حاجة لنا في ذكرها، فوسائل التواصل الاجتماعي قد كشفت المستور، وعرت عورات بعض البيوت التي تعتبر زوايا كما يقول المثل الحساني، فقد أصبحت في بعضها قنابل موقوتة تعج بالأفكار الماركسية التي تتعارض تماما مع الفطرة ومع القيم الإسلامية التي عهدناها في مجتمعنا الصحراوي، إذ يمكن لهذه الظواهر التي ذكرناها أن تشكل ثقافة اجتماعية يجسدها الشارع في أبهى حللها مما يؤدي إلى اقتداء الكثير من الشباب بها وانتهاز الفرصة لتفريغ مكبوتاتهم، وتصريف جميع شهواتهم وشحنهم المقموعة.
في ظل كل هذا الظواهر المنتشرة في المجتمع نجد أنها تتخذ نمط ثقافي غربي ماركسي أثبت وجوده في الساحة الاجتماعية الصحراوية وبالخصوص الشوارع التي هي فضاء عام يمكن لجميع الشرائح أن تتواجد فيه بما فيها الشباب، ولعل التركيز على فئة الشباب إنما لأنهم الفئة الأكثر تضررا بنمط الثقافة الموجودة في الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي هذا من جهة، من جهة أخرى لأنهم يشكلون العمود الفقري الذي إذا ضاع شل الجسد الاجتماعي وآل إلى السقوط والإنهيار، في حين تبقى ثقافة الشارع او وسائل التواصل الاجتماعي، ثقافة فريدة من نوعها تؤثر وبشكل فعال دون رقابة في كثير من الشاب لدينا، حيث بدأت تظهر عليهم أنماط ثقافية غريبة بالنسبة للأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية على اختلافها.
هذا بالنسبة للشباب، أما الراشدون والكبار الذين ينطبق عليهم هذا الأمر فحالهم كحال الشباب تعرضوا لجملة من العوامل الرئيسية، التي بدأت تشكل عائق لهم وخطرا على المجتمع في نفس الوقت، ويعتبر الغزو الثقافي أهم هذه العوامل، حيث جعل هذه الفئة تقف بين معطيات التراث والعادت والتقاليد الصحراوية وبين التطور الثقافي الذي يشهده العصر، وقد أثرت هذه الظروف في صفوفهم حيث أخذوا يجمعون بين الثقافتين، ومثل هذا الجمع قد عرضهم لكثير من المشكلات والتحديات.
فإذا كان وجه العلاقة بين الفئتين والثقافة المنتشرة هو حالة صدامية فماهو موقف المجتمع الصحراوي من هذه المظاهر، هل هو موقف الرفض أم أنه قبل بها ؟ وفي حالة نعم، كيف يمكن قبولها وقد تشكل خطر على المجتمع الصحراوي وعلى قيمه وأخلاق أفراده ؟ أم أنها فرضت نفسها بنفسها بين الرفض والقبول.
التعليقات - تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع الصحراوي.. بقلم سيد الزين محمد :
عذراً التعليقات مغلقة