شطاري نيوز
د. أحمد بوهكو: مدير نشر المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا
ساهم نمو وتزايد الدينامية الاقتصادية المرتبطة بأنشطة الصيد البحري بالمراكز الساحلية التي تضم الموانئ في توسع هذه المراكز مجاليا، هذا التوسع جاء عبر مراحل تاريخية متتالية، ابتدأت مع خروج المستعمر الإسباني، لتغدو اليوم أقطاب عمرانية كبرى بالجهة.
1.1.1 مدينة طرفاية بين الحضور التاريخي والإقصاء التنموي.
تعددت الأسماء التي أعطاها الرحالة والتجار والسياسيون الأوروبيين لطرفاية، نظرا لأهمية المكان بالنسبة لهم لوجوده في منطقة ساحلية من أجل الصيد البحري، والتجارة والقرب من جزر الكناري، بين (Cap Juby) و (Cap De Sabl)، واسم (La Mata) بحسب كاتيل والذي قال أنه كان يطلق من طرف الإسبان على طرفاية، واصفا إياها بأنها بلاد بئيسة جدا. وعلى بعد اثنا عشر كيلومتر منها يوجد (Cap Bouibicha) ، وهذا الاسم الأخير إلى جانب أسماء أخرى والتي تعني المنطقة، موجودة بالخرائط القديمة للأوروبيين بمسميات متعددة.
وظهر اسم طرفاية لأول مرة في الكارتوغرافيا، مع جواكيم كاتيل (Gatell Joachim)، سنة 1865، حيث يعود هذا الاسم إلى شجرة الطرفة التي تنتشر بالصحراء ، ويوجد بئر محفور وسط الرمال محاط بشجر (Lentisque) يطلق على هذا البئر طرفاية (Terfaia) .
وقد ارتبط اسم طرفاية بشخصيات ساهمت بشكل كبير في رسم تاريخها من أمثال: التاجر الانجليزي دونالد ماكنزي (Donald Mackenzie)، مع أول زيارة له لطرفاية سنة 1872، وتكوين شركة ماكينزي سنة 1878، لتجارة، أتبعها بإنشاء بناية فوق جرف بحري غير بعيد عن اليابسة، سميت دار البحر (Casa de Mar)، لتسهيل التجارة مع ساكنة المنطقة. وفضلا عن ماكنزي هناك شخصية أخرى ارتبطت بتاريخ طرفاية كرجل الجيش الإسباني فرانسيسكو أركاندونا بينس (Francisco Argandana Bens) في الربع الأول من القرن العشرين، الذي هيأ للاستعمار الإسباني بالمنطقة، باستمالة بعض من ساكنة طرفاية ليتبعها باحتلالها بعد إبرام الاتفاقية الاسبانية الفرنسية سنة 1912. ويأتي طيار البريد الجوي سانت اوكزيبري كثالث شخصية، عرفت بترددها المستمر على المنطقة بعد وضع طرفاية على خط البريد الجوي بين أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتنية، أواخر العشرينات من القرن العشرين.
كانت سنة 1916 بداية الإعمار بطرفاية فترة الإحتلال، مع بناء المركز العسكري كابو جوبي، بعد معاهدة 27 نونبر 1912 المبرمة بين فرنسا واسبانيا، والتي حددت منطقة امتداد طرفاية على مساحة 26 000 كيلومتر مربع وساكنة تقدر ب 6000 نسمة. وبساحل يمتد على طول 220 كيلومتر، وتبعد ب 100 كيلومتر فقط عن جزيرة فوينتفنتورة بجزر الكناري . وقد أقام الإسبان إلى جانب هذا بنايات عسكرية ومدنية مثل الثكنة العسكرية وحي المحيط ومدرسة ومستشفى وسينما وغيرها من البنايات. وكان النشاط الهام الذي تعرفه المدينة هو الصيد البحري وهو الهدف الأساس الذي من أجله دخلت اسبانيا إلى المنطقة .
عرفت طرفاية سنة 1959 الاستقلال عن الاستعمار الاسباني، لتصبح بعد ذلك عمالة اقليم طرفاية، وعهد لتثمين المدينة للقوات المسلحة الملكية. لكن هذه المدينة ورغم الدور الكبير الذي اضطلعت به نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين في التجارة بين الشمال والجنوب وكذا مع الأجانب، ومؤهلات سواحلها الغنية بالثروة السمكية، لم يشفع لها بأن تتطور ليتراجع دورها الإداري كإقليم وتصبح تابعة للعيون، بعد استرجاع هذه الأخيرة سنة 1975. إلى أن جاءت سنة 2009 ليتم منحها صفة العمالة التابعة لجهة العيون الساقية الحمراء.
2.1.1 بوجدور: من منارة لإرشاد السفن إلى مدينة قائمة على اقتصاد قطاع الصيد البحري.
عرفت هذه المنطقة تاريخيا برأس بوجدور (cap bojador)، من قبل البحارة والمستكشفين البرتغال والأسبان، وذلك ابتداء من القرن الخامس عشر. وقد كان الوصول إلى رأس بوجدور بمثابة الإنجاز الكبير، حيث احتدم الجدل بين الكتاب حول أول من وصل إليه أهم البرتغاليون أم الأسبان. واختلف حتى حول بوجدور من حيث الموقع كمكان تارة، ومن حيث كتابة الاسم تارة أخرى. ففي مرحلة لاحقة اختلف الباحثون حول مكان بوجدور، ومن تمت أصبحت هذه الكتابات تتحدث عن كاب بوجدور الحقيقي وكاب بوجدور المزيف. إذ أدى ذلك إلى كتابته بصيغ تكاد أحيانا تكون مختلفة من حيث النطق والتركيب: Cap Bojador، Cabo de Bojador، Cavo de Buyetder، Bugeder، De Bajar، ونجد السكان الأصليين ينطقونها ب “بجدور” .
وقد كانت سنة 1881 بمثابة تاريخ احتلال بوجدور بعد أن سيطرت القوات الإسبانية على المنطقة الممتدة منه إلى الرأس الأبيض مرورا بمنطقة وادي الذهب. واعتبرت وكما جاء في الكتابات الإسبانية على أنها تشكل نقطة حدود بين منطقتي وادي الذهب ووادي الساقية الحمراء.
غير أن النسيج العمراني ببوجدور فترة الاستعمار الإسباني كان ضعيفا، واقتصر على بنايات محدودة، الهدف منها استغلال الثروات البحرية وحماية المصالح الإسبانية، كتشييد منارة بطول 45 مترا سنة 1953 لإرشاد السفن، وبناء مركز عسكري، إلى جانب إقامة ميناء صغيرا برأس بوجدور لصيد السمك، إلا أن خطورة الإبحار بسواحل المنطقة لشدة الرياح وهيجان البحر وصعوبة الرسو، كان من الأسباب الكامنة وراء عجز السلطات الإسبانية عن إقامة مركز حضري أسوة بالمراكز الحضرية الأخرى بالمنطقة.
بعد سنة 1975 واسترجاع بوجدور، خضعت المدينة للتنظيم الإداري لدولة، كإقليم على غرار الأقاليم الجنوبية الأخرى، وتابعة لجهة العيون الساقية الحمراء. وتم وضع برنامج تنموي لتأهيلها، هم اقتصاد المدينة المرتبط بالصيد البحري من جهة، ومن جهة أخرى توسع المدينة المرتبط بالقطاع نفسه. لتعتبر مدينة بوجدور وفق هذا، كمدينة جديدة تعتبر من أهم الأدوات السياسية للتنمية والتحضر والتي تستخدم بهدف إعادة توزيع السكان في الدولة وخلخلة الكثافة السكانية في المناطق والمدن الرئيسية .
3.1.1 ميناء العيون: من ميناء بحري تابع للعيون إلى مدينة قائمة الذات
ارتبط هذا الاسم بميناء العيون الواقع على بعد 25 كيلومتر إلى الجنوب الغربي منها، وتعتبر مدينة المرسى مدينة حديثة، كما تعد نواة تجمع سكاني كان لمينائي تصدير الفوسفاط وميناء الصيد البحري والتجاري، دور كبير في تكوينها إبان الفترة الإستعمارية.
وقد كانت البداية الأولى سنة 1940 مع تعيين العيون رسميا على رأس الإدارة والجيش الإسباني في الصحراء، وبدأ الاستثمارات العمومية لتوفير التنمية للمنطقة.
وشكل إكتشاف الفوسفاط ببوكراع من طرف الجيولوجي (Alia Medina) سنة 1947، وإعلانه لأهميته في الإقتصاد الوطني الإسباني، وعمل السلطات الإسبانية في السنة الموالية على إقامة المؤسسة الوطنية (ADARO) للمعهد الوطني لصناعة، لغاية استخراج الفوسفاط من منجم بوكراع ونقله بحرا، نقطة ظهور أولى لميناء العيون.
في حين عرف الميناء الخاص بالصيد البحري والتجارة بعد خروج المستعمر سنة 1975، مرحلة تشييد وبناء، أسهم فيها المورد الاقتصادي المهم من صيد بحري بأنواعه والصناعة التحويلية المثمنة له.
التعليقات - نشاط الصيد البحري كمساهم في نشأة المدن الساحلية بجهة العيون الساقية الحمراء :
عذراً التعليقات مغلقة